أحداث رمادة (19 فيفري – 25 ماي 1958)
مرت معركة السيادة التي أعلن عن انطلاقها الحبيب بورقيبة في خطابه بتطاوين يوم 18 جوان 1956 مباشرة بعد حصول البلاد التونسية على استقلالها التام، بعدة مراحل وتراكمات ساهمت في إتاحة الظروف الملائمة لإجلاء آخر جند فرنسي عن التراب التونسي يوم 15 أكتوبر 1963. وقد شكلت أحداث رمادة (19 فيفري – 25 ماي 1958)، التي أفضت إلى إمضاء اتفاق 17 جوان 1958 القاضي بجلاء القوات الفرنسية عن قواعدها ما عدا قاعدة بنزرت، خطوة هامة نحو تحقيق الجلاء التام. ورغم أهمية هذه الأحداث في تاريخ تونس المعاصر فإنها ظلت على هامش البحث الأكاديمي ولم تتطرق إليها الدراسات التاريخية إلا عرضا عند تناولها لقضية الجلاء، على عكس ما حظيت به أحداث الساقية ومعركة بنزرت من اهتمام. فقد اختزلت هذه الأحداث، في الذاكرة التاريخية الوطنية، في ذكرى « معركة رمادة » التي يحتفل بها يوم 25 ماي من كل سنة فتخصص لها الصحافة بعض المقالات التي لا تخلو أحيانا من أخطاء تاريخية. وهو ما استحثنا على تناول هذه الأحداث وتتبع تفاصيلها ودورها في جلاء القوات الفرنسية عن التراب التونسي من خلال الاعتماد على مدونة من المصادر المكتوبة والشفوية للمقارنة بينها وتصويب بعض الأخطاء التي شاعت في الروايتين الرسمية والشعبية واجتناب المبالغات وحتى بعض المغالطات علّنا نقترب من الحقيقة التاريخية.